-

لتحميــــل الـعــــدد الثانـــي اضغط هنا - العودة للـعــــــــدد ألاول , أضغـط


الأربعاء، 21 أبريل 2010

تكست - اوراق للريح: ازمة القراءة ...أزمة الثقافة

أوراق للريح


أزمة القراءة.. أزمة الثقافة


*أ . د. مجيد حميد جاسم



ليس ثمة كاتب في الوجود ولد كاتبا البتة , ولكن الكاتب هو قارئ أولا واخيرا , والكاتب بطبيعة الحال هو حصيلة نتاج ما مر به من تجارب على نحو مباشر , ونتاج ما مر به الاخرون من تجارب على نحو غير مباشر اذ قرأ لهم او اغتنى من تجاربهم في الحياة وفي الكتابة , والكاتب الحقيقي هو الكاتب الذي يواصل القراءة طيلة فترة اشتغاله بالابداع والكتابة وفي تجربته الابداعية ولا ينقطع عن القراءة لاي سبب كان فالقراءة جزء اساسي من تجربته , ولا يمكنه بحال من الاحوال الاستغناء عنها كونه صار كاتبا في وقت لاحق من اوقات التجربة تلك .


القراءة في مجتمعنا تمر بأزمة منذ فترة ليست بالقصيرة . بدأ النزوع إلى القراءة ينحسر مع توجه المجتمع العراقي للعسكرة والحروب وحين شرعت نظم التعليم بالانحدار والتفكك يتآكلها الفساد من كل اتجاه , صار من الصعب على المثقفين ـ مع مرور الايام ـ الحصول على الكتاب او حتى شراء الجريدة اليومية التي تعد هوسا مشروعا لكثير من المثقفين لا يستطيع فكاكا منه , ولقد انعكس هذا الواقع المريرعلى المعلم والمدرس لينعكس بدوره على طلبتهما. المعلم الذي كان يقف امامنا في ايامنا الغابرة كان معلما كفوءا متمكنا بشخصيته المقتدرة وثقافته الواسعة . لم نكن كطلاب نحتاج فيما مضى لمعلم خاص يقوم بتدريسنا بشكل خاص ليجعلنا نفهم ما استعصى على فهمنا من معلم او مدرس المدرسة . اليوم لم يعد المعلم كما كان الا ما ندر لكي لا نبخس الناس اشياءهم ..


المعلم في المدرسة الابتدائية هو حجر الزاوية في بناء عادة القراءة الصحيحة لدى الطلبة والمعلم في المدرسة الابتدائية والمدرس في المدرسة المتوسطة او الاعدادية هو الاساس في توجيه الطلبة للمعرفة وحب الكتاب ومن ثم حب القراءة وتوجيهات المطالعة . المعلم او المدرس بشخصيته الرائعة يكون قدوة رائعة يتمكن الطالب من خلالها السعي للتمثل بها كشخصية مثقفة تحبذ عادة القراءة .


المعلم بطبيعة عمله يتعامل مع منجم للذهب يستطيع من خلاله ان يعثر على الجوهرة التي يبحث عنها . وهذه الجوهرة قد تكون طفلا نابغا بالادب والشعر او طفلا مولعا بالرسم والفن او طفلا مهووسا بحب اللغة والقراءة وهكذا , فكم من الكتاب والمبدعين من الشعراء والروائيين وكتاب القصة والفنانين بدأ اكتشافهم في مدارسهم الابتدائية او المتوسطة حيث قيض لهم معلم ٌ او مدرسٌ مخلصٌ ومثقف سعى لبناء المجتمع بما يرضي الله فعدل من وجهتهم وصحح من مساراتهم ...


اليوم صارت مشتتات الانتباه كثيرة في المجتمع كلها تعمل على مبدأ التنافس مع الكتاب دون قصد مباشر بالطبع . ومنها الفضائيات وشبكة المعلومات العالمية ( الانترنت ) واستخدام الحاسوب في ثورة المعلوماتية الهائلة . اذن والحال هذا صارت محافظة الكتاب على صراع التنافس صعبة من كل هذه المشتتات الكثيرة . ومع كل العادات التي ارسيت بعيدا عن القراءة , صار التوجه للقراءة نادرا وليس مشجعا ولا ينطوي على الكثير من التشويق والمتعة ولم يحافظ على عادات القراءة والمطالعة الا المثقفون والنخبويون فقط الذين ليس لديهم متعة غير القراءة والمعرفة والاستزادة , اما الجيل الجديد فليس له مع الاسف أي اهتمام واضح بالثقافة والقراءة الا ما ندر ولهذا صار الكثير من الجيل الجديد يشكو افلاسا واضحا نحو الثقافة بكل اتجاهاتها وتفرعاتها ...


ازمة القراءة في ضوء ما تقدم هي انعكاس لازمة الثقافة برمتها . ان مجتمعا مر بما مر به المجتمع العراقي ليس غريبا ان يشتكي من ازمة القراءة بكل ارهاصاتها وتفاعلاتها , ولكن انعكاس ازمة القراءة على كل مفاصل الحقيقة التي تحتاج الى شي من الدراسة والتأمل وشي من التمعن الفكري للنظر في سبل معالجاتها قبل ان تصبح سياقا اساسيا مقبولا في نسيج المجتمع يصعب التعامل معه البتة المجتمع ينعكس على شكل ازمة في الثقافة . وهنا تكمن المعضلة.


لم يمر مجتمع من المجتمعات بالمآسي والويلات وتهصره الملمات و النوائب كما مر المجتمع العراقي حيث كان له موعد عظيم مع الشدائد المتلاحقة والذي كان ضحية الفقر والجوع والجهل والتخلف والضنك والدكتاتورية والامية .


يا لسخرية القدر ويا لتعاسة الايام . انعكس هذا الواقع المزعج بشكل كبير على نفوس ابنائه وانعكس على نحو خاص على واقع مثقفيه وآلية تفكيرهم ميكانزمات الدفاع النفسية لديهم بشتى تنوعهم وتخصصاتهم . وهذا امر طبيعي لا ريب فيه سعيا منهم للحفاظ على كيانهم الفكري والايديولوجي .


ان ازمة الثقافة تعد عبئا ثقيلا على كاهل المجتمع بكل شرائحه , والاديب والكاتب والشاعر غير المثقف لا يمكنه ان يسهم بشكل ايجابي بذات الدرجة من البناء السليم لبنية المجتمع المدعومة بوازع الثقافة والوعي الذي يسهم به زميله المثقف , فازمة الثقافة هي حصيلة طبيعية لازمة القراءة وازمة الثقافة مثلما لها تأثيراتها على الكتاب والادباء والفنانين لها تأثيراتها السلبية على الاكاديميين من المهندسين والاطباء والجيولوجيين الخ .... فالمثقف من هؤلاء يستطيع ان يبني ويسهم في البناء النفسي في المجتمع على نحو افضل من زميله المتعلم غير المثقف لانه سيفتح مغاليق العقول بوسائل الاقناع المتاحة لديه وقدرته على تعليم الطلبة كيفية التفكير السليم الذي يجمع بين العقل والحس والعلم والذوق والمنطق والجمال وهكذا ...فالاكاديمي غير المثقف لايمكنه بحال ان يخرج من نطاق تخصصه العلمي الضيق لانه غير مؤهل لفعل ذلك , اذن الشهادة لا تصنع ثقافة مطلقا ..نعم الشهادة لايمكنها بحال ان تصنع ثقافة , فالثقافة لدى الاكاديميين المتخصصين تنعكس على الشرائح التي يتعاملون معها او من خلال تعاملهم مع واقعهم العلمي في المجتمع فتنعكس روائهم بدورها على نحو ايجابي على المجتمع برمته فتنفتح مجالات العمل والحياة بنسق ينبض بالحياةويكتنز برونقها الفذ المعبر .


ولمعالجة ازمة الثقافة لدى المجتمعات المختلفة علينا العمل الجاد لمعالجة ازمة القراءة اساسا كونها الاساس في ازمة الثقافة .ومن مسلمات القول ان معالجة القراءة تبدأ بأرساء عادات القراءة الصحيحة وفتح (عيون) الجيل الجديد على الكتاب واهمية القراءة وفاعليتها وبامكان المعلم الجديد والمدرس الجديد ان يشجع الطلبة في التعبير عن انفسهم , ولكي يعبر الانسان عن نفسه عليه ان يقرأ ويمكن للمعلم او المدرس ان يناقش ما يقرأه الطلبة عبر برامج مدروسة واعية واضحة الاهداف , وبوسع الجامعات والمعاهد اقامة ندوات ثقافية لاشاعة روح الثقافة عبر استضافة الكتاب والادباء واتاحة المجال لهم للتعبير عن تجاربهم الشخصية في القراءة وان يقوم اتحاد الادباء باقامة ورش ثقافية متنوعة لاشاعة روح الثقافة عبر القراءة , ولكن لا ينجح هكذا مشروع مالم تخصص له وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة ووزارة التربية الميزانية الكافية .. ترى هل هو مجرد حلم ام امنية يمكن تحقيقها ...؟ الزمن وحده كفيل بمعرفة الحقيقة



* أكاديمي عراقي


ليست هناك تعليقات: