-

لتحميــــل الـعــــدد الثانـــي اضغط هنا - العودة للـعــــــــدد ألاول , أضغـط


الخميس، 22 أبريل 2010

تكست - المنجز الشعري البصري : عبدالسادة البصري و كريم جخيور





المنجز الشعري البصري

عبدالسادة البصري و كريم جخيور أنموذجا

* عبدالغفار العطوي

البصرة منذ أن مصرها العرب المسلمون في أوائل القرن الأول للهجرة ابتدأت رحلتها الحقيقية مع الشعر لأسباب عديدة لم تكن خافية عن أذهان مؤرخي الأدب والتاريخ والسير والنوادر الإرث القديم الذي تنوء به منذ عصر جلجامش والشعراء السومريين المهمشين مرورا بشعراء الأقوام الغازية والراحلة والمقيمة حتى إن دهشة أولئك الأعراب الذين لم يكونوا آخر الغزاة ظلت شعرية حينما أطلقوا ارض السواد على غابات النخيل والقصب والأشجار الوارفة ولم يفهموا لماذا جذبتهم البصرة بهذا العنف البصري قد تكون للمياه أسباب وللبحر أسباب أخرى وللأنواء أيضا وتقلبها ورعونة سمائها ومتاهة أنهارها المتشعبة ولخضرتها المخيفة الأسباب التي رسمت على ثغر البصرة مهمة الشعر وجاذبية الدهشة في العصور التالية لزحف القبائل العربية التي فضلت بدورها الإبقاء على التقاليد الجاهلية في تناول الشعر في أهدافه وإغراضه ومهيمناته وعلى الرغم من إن البصرة الأموية والعباسية كانت أوفر حظا في تعاملها مع الشعر فحظيت بالشعر والشعراء يمشون بين ظلال غاباتها معا ونجحت في إنتاج العشرات من الشعراء على مر العصور إلا إن الملفت للنظر إن إنتاجها الشعري اقترن بسمة الحداثة والتجديد فهي تحتكر الريادة في ذلك ومثلما كانت تحتضن ثورة المعتزلة والاشاعرة وحمى البحث اللغوي والتاريخي والبلاغي والأدبي الخ احتضنت بعد ذلك جذوة التغيير في عصرنا بعد إن انقطع عصب الحضارة العربية الإسلامية في الميادين الإنسانية المختلفة عدا الشعر ،

الانفتاح على العالم الحديث بالنسبة للعراق جاء من ربوع البصرة مع الاحتلالات العثمانية والهولندية والبريطانية... عند نقطة التقاء الطرق البرية والبحرية الواصلة بين الشرق والغرب فلاغرو إن تعمد البصرة إلى احتضان الجدة في النظر إلى العالم فهي تعكس حدة الصراع بين القديم والوافد بين التاريخ والمحدث وان لانت إلى فهم عميق بالإيمان بالحداثة كونها مفتتحا لفهم هويتها فبدافع الوصول إلى قناعة تامة بذلك نتيجة لذلك الصراع بين الشرق والغرب الذي يعني التنوع الثقافي والمعرفي

لكي تكون البصرة حاضنة للشعر جربت كل ألوان القهر والحب والتدمير والحرق والغرق واللعنة والتضحية والقتال وكشف تاريخها عن نجاة الشعر من كل ذلك الخراب الذي حل بها لهذا نجدها صارت ملاذا أبديا للشعراء

بدأ الشعر في البصرة يلفت إليه أنظار العالم بانطلاقة شاعرنا الكبير بدر شاكر السياب في ريادته قبيل منتصف القرن العشرين وارتبطت سمات الحداثة الشعرية مكانيا بالبصرة بوصفها حاضنة للريادة الشعرية وبذلك تمت رحلة البداية في تجديدالشعر العربي بعد قرون من الجمود التجديد في الشكل والمحتوى واللغة والبلاغة والإغراض والمقاصد ليستبدل شعراء البصرة ريادة الثياب بريادات أخر على يد البريكان وسعدي يوسف ومصطفى عبدالله وعبدالكريم كاصد وكاظم الحجاج وحسين عبداللطيف ومجيد الموسوي وطالب عبدالعزيز وكريم جخيور وعبدالسادة البصري وعادل مردان وخضر حسن خلف وغيرهم من الرواد الذين امتازوا بالريادات الصغرى التي تعتمد على ريادة وجه من وجوه الشعر أو سمة من سمات الشعرية وليس من قبيل المبالغة إذا ما وصفنا تجارب أولئك الشعراء بالريادية لأن منجزهم يؤكد على محاولاتهم في فهم الشعر غاياته ومقاصده بوعي متقدم.( فالريادة هي الاشتغال الدقيق في مجال من مجالات الشعرية)وقد أمكنهم أن يضعوا بصماتهم الواضحة على نصوصهم وشكلوا ومضات في المنجز البصري وبالتالي يشار إليهم كشعراء متميزين في الشعرية العراقية،

من هنا يمكننا القول إن المنجز الشعري الآن يحتفي بمجهوداتهم البينة في الأجيال الشعرية المتعاقبة بنتاجاتهم الشعرية ،

الشاعران عبدالسادة البصري وكريم جخيور يقفان في الصف نفسه بما يكشفان للمتلقي من قدرة على احداث الارباك في اتصاله بشعرهما اذا علمنا انهما عاشا في حاضنة الشعر السبعيني ونهلا من خطابه ومضامينه واتجاهاته وظلا امينين له طوال سنوات الحروب والضياع والتشرد والدكتاتورية والسجون لأننا لم نشاهد الشعر الثمانيني الذي ينتميان اليه بذلك الوضوح الذي تألق به الشعر السبعيني والشعر الستيني. كانا يلتحقان دوما بركب المنتظرين الذين فضلوا الظل على الضوء الخادع لهذا اهتما بمفهوم الريادة الصغرى أي ايجاد ملامح بارزة في شعرهما وعبر تاريخهما لحد الان استطاعا ان يجدا طريقيهما الى الحداثة وان يظهر ذلك على تعاملهما مع الشعر

عبدالسادة البصري في مجاميعه الثلاث –لا شيء لنا 1998 تضاريس 2000 أصفى من البياض 2008 ينتمي الى جيل الحروب والقهر والانتفاضات وجد نفسه وسط مناخ شعر يقف فيه الجيلان الستيني والسبعيني بالمرصاد لمحاولات الشباب آنذاك للخروج من راهنية الشعر التي تصورها الستينيون تابعة لمؤسسة ثقافية ضخمة صارمة لايمكن الانقلاب على قوانينها ورآها السبعينيون تعبيرا عن نزوة وجرأة وحماقة الانسان العراقي الذي يرغب في التنصل من تلك المؤسسة .

الشاعر عبدالسادة البصري كغيره من الشعراء الشباب وقع بين قوتين متعارضتين قوة الانضباط المؤسسي في الشعر التي تبناها جيل الستين وقوة التحديث والمعارضة التي قام بصنعها السبعينيون على مختلف مشاربهم ليجد الشاعر نفسه يتراجع الى الملامح الاساسية لتجربته ويستقيها من عمق التطلع الى المكان حيث لاشيء له سواه بتضاريسه المعقدة والوهيته الشفافة لينتمي الى بياض .هكذا اتضحت تجربة الشاعر البصري الذاكرة التي تحمل المكان والمكان الذي يلم شعث الروح السارية الى عمق البراءة لنقرأ ما يقول حول ذلك المكان في مجموعته الاخيرة (اصفى من البياض)---كل ليلة يغازله القمر

لغرفه الطينية همس

لن يفارقك العمر

ورائحة تملأ رئتيك

ما شممت اعبق منها

ويصور المنفى كأنه المكان نفسه في الذاكرة ويتساءل في (على انغام المطر يراقصهم الدخان )

الى اصدقائي الذين اكلتهم المنافي

ترى

بماذا كانوا يفكرون

فالشاعر حفي بالم

كان الذاكرة والمكان الماضي والمكان المغترب في الحاضر المتحرك الى الروح

اوالى الخارج الى الذات

لنجد عبدالسادة البصري منهمك

ا بالمكان واحد رواده القلائل فهو المتطلع الى البراءة المكانية التي تشكل لديه ريادة صغرى

أما الشاعر

كريم جخي

ور فهو كذلك كان من جيل المأساة الجيل الممزق الذي اخذته ليالي الحجابات والبنادق والرمانات اليدوية وحينما ركن افراد ج

يله من حرب اخرى اشياءهم سكن الشاعر كريم جخيور زنزانات الرضوانية مع زملائه المعذبين ولما استفاق بعد عام وجد ا

ن جيله قد تبدد وان هناك اجيالا ممزقة قادمة لهذا كتب في مجموعتيه (خارج السواد ) و(الثعالب لاتقود الى الورد) 2008 )ما حول

ه الى رائد للصور البليغة التي تعبر عن التمزق المرير لأنسانية الانسان العراقي ففي (على اقدامنا ينكسر الفرح ) من مجموعته (خارج السواد) يقول

صديقي القلق |احتفلنا باللقاء

ايها الراغ

ب

مالا ارتضيه أنا

ولا الحرية حين تثقبها الاسئلة

تركنا الشطوط

حين احتوتنا الخوذ

ومن الملفت للنظران الشاعر كريم جخيور يتمادى في تجميع صور العالم ليضعها امام امتحان الذات دون غرابة في (استقامة التفاحة)

عاليا

انشري بريق اخطائنا

ايتها المزدهرة

عفة وارجوان

ولا يألو جهدا في استخدام حداثة الصدمة بابتكار الانسجام بين المتناقضات في مجموعته الشعرية (الثعالب لا تقود الى الورد ) –دونما قمر تنام النافذة

كاحلام العانس

تنفرط الايام

بلا رنين

يشيعها الكسل

ويصور الشاع

ر عالما مغتربا برمته عنه منعزلآ عن ان يكون حقيقيا بيد انه ذلك اللون من التمزق الذي نجح الشاعر في امتطائه والتماهي معه

وحيدا

احتفي بهذا القلق

لامريد سواي

ولا طرائد في مهبطي

تحاصرني القطارات

افاع من حدي

د وحجر

الشاعران كريم جخيور وعبدالسادة البصري وغيرهما من شعراء البصرة يميطون اللثام عن جرأة في الطرح وحفاوة في السير الى النهاية


ليست هناك تعليقات: